جوستاف لوپون
لم ينصف العرب مستشرق مثل الفرنسي جوستاف لوپون؛ الذي فهم حضارة العرب فهما دقيقا صادقا،
- فشهد لها بعلو الكعب في:
العلوم، والنظم السياسية، والاجتماعية، والأبنية، والصناعات، والاختراعات.
- وأعلن أن الفتوحات كانت نقلة جوهرية للبلاد المفتوحة، وتمنى أن لو امتدت إلى فرنسا وسائر أوربا: لتصيب مما أصابته أسبانيا من الحضارة والتقدم بعد دخول العرب، لكنها خسرت، كما خسرت أسبانيا؛ لما انقلبت على حضارة امتدت ثمانية قرون-قدمتها فجعلتها منارا للعلم بعد قرون من التخلف-بمحاكم التفتيش الهمجية، والتهجير لأمة كانت سببا في رقيها قرونا، فلم تجد بعدها أي سبيل للنهوض مرة أخرى.
- يقول: "القوة لم تكن عاملا في انتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارا في أديانهم، فإذا اعتنق النصارى الإسلام واتخذوا العربية لغة فلما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة".
- ولم ير لوپون في الجزية ما يشين الإسلام؛ إذ كانت دون الضرائب والأتاوات التي كانت قبل الفتح بكثير، وسبب الجزية توفير الحماية والتنظيم.
- ولم ير-كذلك-في الرق ما يصح به الطعن في الإسلام؛ إذ كان الرقيق بحال أفضل بكثير من الخدم والعمال في أوربا، بل كانوا يؤثرونه على الحرية؛ فقد كانت الأمة تحظى بسيدها، فتكون أمّا لأولاده، فتنال السيادة، وكم من الخلفاء أمهاتهم كن من الإماء.
وقد كان السيد يعتق عبده، ويزوجه ابنته، بعد أن رباه.
- ولم يخترع الأوربيون جمعيات الرفق بالحيوان، إلا تكفيرا عن عادة قتلها بلا رحمة، في حين أن العرب كانوا يرفقون بها، ويرعونها.
- ولما قامت الحملات الصليبية ضرب الأوربيون أفظع الأمثلة على الهمجية والقسوة، وهم في طريقهم إلى القدس، حتى مع بني ملتهم من النصارى في القسطنطينية وغيرها: نهبا، وقتلا، وتشريدا. ومثل ذلك فعلوا مع المسلمين في القدس وغيرها.
ولم يعرف عن المسلمين في فتوحاتهم مثل ذلك، بل الرحمة والعدل، وبسبب ذلك انقلبت دول وبلدان برمتها إلى الإسلام، كمصر، والشام، والعراق، وفارس، وشمال أفريقيا، والسند، وأواسط آسيا.
- ويكذب لوپون دعوى حرق المسلمين لمكتبة الإسكندرية، ويجزم بأن الذي أمر به القيصر النصراني ثيودوز.
-ويعلن أن أعظم أمة تعرضت للظلم هم المسلمون.
- وقد ذكر أمورا أقرب إلى الخيال في تصور الحاضرين، مما كان من أمجاد المسلمين.
فكتابه حري أن يقرأه من ضعف يقينه في حضارة العرب الإسلامية.
يخبر عن حيرتهم التي ورثوها من فكرة وجوب الشك والنظر، فصاروا إلى حالة: اللأدرية. فليس عندهم يقين في الغيبيات. ١١٣- يقول الرازي:"لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ.. ١١٤- في الإثبات:(الرحمن على العرش استوى) (إليه يصعد الكلم الطيب) واقرأ في النفي:(ليس كمثله شيء). قال: من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". ١١٥- هذه إقرارات حذاق أهل الكلام ومؤسسيه ومن لا يشك في ذكائهم وسعة علومهم: (فماذا بعد الحق إلا الضلال)؟ والحمدلله رب العالمين
Читать полностью…٥٥- حاشاهم أن يكونوا منهم، ومن جهة أن ماذكره مثالا للتأويل غير صالح؛ فتفسيرهم للمعية في الآيتين بالعلم والنصرة هو عين معنى الآية وليس تأويلا ٥٦- فقوله:(وهومعكم أينما كنتم) من فسره بمعية العلم والإحاطة، فما فسره إلا بظاهره، فالمعية لاتستلزم المخالطة،بل بحسب سياقها،وهو هنا في العلم. ٥٧- قبل نسبة الصحابة للتأويل، ينبغي تحرير ما التأويل، فليس تفسير النص بمعنى غير ما في الذهن يكون تأويلا ضرورة، فالعرب تقول: سرنا والقمر معنا ٥٨- وليس قصدهم معية تمازج وتماس، بل مشاهدة، ولم يكن هذا تأويلا، بل هذا سياقه، كذلك الصحابة في تفسيرهم لهذا النص، وما ورد عنهم مما هو تأويل.. ٥٩- صريح،كتأويل ابن عباس للساق في آية القلم بالأمر الشديد، فذلك جار على أصول التأويل السني،الذي يكون بقرينة راجحة، وليس تأويلهم إلا استثناء. ٦٠- فإذا كان كذلك، فمن الخطأ نسبة الصحابة للتأويل، ونظمهم في سياق المتأولة من: باطنية، وفلاسفة، ومعتزلة، وأشعرية. فهؤلاء المؤولة لا الصحابة. ٦١- دعوى أن كل الترجمات للقرآن مضطرة للتأويل، غير مسلم بها، بل تذكر الصفة بلفظها العربي، ثم يذكر معناها كما في العربية،لكن بلغة المترجم لهم. ٦٢- ودعوى الاضطرار لا نجدها عند السني السلفي؛ لأنه لا يتخذ التأويل أصلا، ولما كان الددو على منهج الأشعري، وقع في وهمه ألا سبيل إلا التأويل. ٦٣- ذكر أن التأويل يحتاج إلى ضبط حتى لايعود على الصفات بالإبطال، لكن قبوله تأويل الوجه بالذات، واليد بالقدرة، والاستواء والضحك أليس إبطالا؟ ٦٤- التأويل مذهب المعتزلة، نعم، لكن تبرئة الأشعرية - الذي يسميهم بأهل السنة - من التأويل الذي يعود على الصفات بالإبطال فيه نظر؛إذ قد توافق.. ٦٥- الفريقان على تأويل جملة من الصفات يعود عليها بالإبطال، كالاستواء بالإستيلاء، والعلو بعلو القدر، واليد بالقدرة. فهم سواء في الإبطال إذن. ٦٦- يطلب الشيخ احترام علماء الأشعرية في اجتهادهم في باب الصفات والاعتقاد، والأولى الوصية باتباع أهل القرون المفضلة وأهل الحديث فالحق معهم. ٦٧- بدأ الشيخ كلامه بتقسيم السنة ل:أشعرية، وماتريدية، وحنابلة. وجعل الاعتقاد الحق مبثوثا بينهم، لكنه صار إلى توثيق الأشعرية وتوهين الحنبلية. ٦٨- لقد جنح الشيخ إلى تبديع أهل السنة، واستعمل حصرهم في الحنابلة وسيلة، وجاء إلى أهل البدعة فجعلهم أهل سنة، وألصقهم بمالك وأحمد والسلف! ٦٩- الشيخ عالم موسوعي عنده من كل فن علما، لكن هذه الموسوعية حجبته عن التحقيق في المسائل، بخاصة العقيدة، فوثق في مجرد الجمع ليكون رأيا معتمدا 70- لعله يعيدالنظر، ويباحث أهل الاختصاص فيما أطلقه، ولن يضره ذلك، بل يوقفه على مواضع الضعف والقوة في حديثه، ولا أحد يستغني عن المباحثة. ٧١- خليط من أقوال فرق شتى، لا تكاد تستقل بقول في مسألة اعتقادية، وهي تتطفل على موائد فرق بدعية سبقتها، فتأخذ منها فتصنع قالبا خاصا. ٧٢- في الإيمان على مذهب غلاة المرجئة، وهم أقرب إلى الجهمية. قالوا: هو التصديق بالقلب. والكفر هو الاستحلال بالقلب. أما قول السنة:هو قول عمل. ٧٣- في القدر جبرية محضة كما شهد بها عليهم التفتازاني، وهذا هو مآل الكسب عندهم، وهم فيه على مذهب جهم، أما السنة فإنهم وسط بينهم والقدرية. ٧٤- في الصفات إما مؤولة على طريقة المعتزلة أو مفوضة، وأصل مذهبهم جهم الذي نفى الأسماء والصفات جميعها فأخذوا منه؛ فمآل التأويل نفي وتعطيل. ٧٥- في القرآن أثبتوا أنه كلام الله غير مخلوق، لكنهم قالوا: كلامه نفسي لم يسمع منه، وإنما عبر عنه جبريل أو حكاه. فرجع قولهم إلى قول المعتزلة. ٧٦- أخذوا تقديم العقل وتحكيمه في النص عن الفلاسفة والمعتزلة، فهؤلاء كلهم أهل تأويل عند شعورهم بمعارضة النص للعقل، فالعقل معبود والنقل مردود. ٧٧- قالت المعتزلة: أول الواجبات النظر. فبقيت عند الأشعري، وتبناها الأشعرية لليوم، ومناهج الأزهر شاهدة؛يطلبون إلى المكلف الشك أولا في إيمانه. ٧٨- تشابهت موافقهم في معاداة السنة من التكفير إلى التعذيب؛ فقد لقي أحمد من المعتزلة ألوان العذاب، ولقي ابن تيمية من الأشعرية صنوف التكفير. ٧٩- هم في الإقصاء والإلغاء للسنة أتباع السلف إخوة، فحيث كانت لهم الدولة، فلا صوت للسنة، بل السوط لهم، ولم يقابلهم السنة بالمثل، بل بالفضل. ٨٠- محاولة استعادة وهج الأشعرية من جديد يعني: انتشار الإرجاء الغالي، والجبر، والتعطيل، والتأويل، وتعبيد العقل، ونبذ النص. تلك أماني الغرب. ٨١- من الاعتقاد الأشعري: نبذ العمل بأحاديث الآحاد في العقائد. وافقوا فيه المعتزلة، والمعتزلة أضل، خالفهم السنة؛ فإن سواد الحديث آحاد أو كله. ٨٢- جاء الأشعرية شيئا إدّا؛ إذ زعموا أن النص قرآنا أو سنة لا يفيد اليقين، وإنما اليقين في العقل؛ فإذا ما تعارضا قدموا العقل بلا تردد. ٨٣- الأشعري يفسر التوحيد ب: القدرة على الاختراع.
Читать полностью… بسم الله الرحمن الرحيم
في المقطع التالي لم يوفق الشيخ الددو بتقريره أن السلف انقسموا في الاعتقاد على ثلاثة مذاهب فالحق لايتعدد https://youtu.be/oVkqApPEZ9U ١- مطارحة علمية مع الشيخ الددو في كلمته الآنفة: قوله: إن الأشعري من السلف. ليس مطلقا، فقد قرر أولا أن الإيمان التصديق. وعند السلف: قول وعمل. ٢- السلف لم ينقسموا في الاعتقاد انقسامهم في الفقه، بل هم على قول متفق، يدل عليه مصنفاتهم في الاعتقاد كالسنة للالكائي والتوحيد لابن خزيمة. ٣- القول بأن مذاهب العقيدة ليس منها شيء صواب كله، بل فيها خطأ وصواب: يعني ضرورة أن العقيدة الحقة مبددة فيها، فأي معيار يمكن به استخلاص الحق. ٤- نسب إلى عقيدة السنة: أنه لامعصوم بعد النبي عليه السلام. ولاندري من سبقه بهذا، فأين العصمة التي في الاجماع وقوله:(لاتجتمع أمتي على ضلالة)؟ ٥- قوله: المذهب السلفي هو الحنبلي أساسا. خطأ تاريخي، بل هو مذهب أهل الحديث من ظهور القدرية والجهمية قبل نهاية الأول وبداية الثاني قبل أحمد. ٦- جعل الماتريدية والأشعرية والسلف مذاهب أهل السنة في الاعتقاد، وهذا خطأ، فبينها من التناقض ما يحيل ذلك، إلا إذا قبلنا بأن مذهب السنة متناقض ٧- ولا يجوز القبول بدعوى تناقض السنة؛ لأنه يرجع على الممثل للإسلام بالنقض والإسقاط، فمن الذي يمثل عقيدة الإسلام صافية بعدئذ، وليس ثمة غيرهم؟ ٨- زعم أن أصولهم متفقة، ثم اختار أصولا متفقة، وأعرض المختلف فيه بينهم كالإيمان، والقدر، فلو كانوا متفقين فلم هذا العداء من الأشعرية للسلفية؟ ٩- من الخطأ تصوير مذهب الأشعرية وفق ما قرر الأشعري؛ فإن الأشعري وافق السلف في أشياء وصرح أنه على مثل عقيدة أحمد، لكن الأشعرية خالفوا الأشعري ١٠-والأشعري منذ أول أمره يثبت صفات كالوجه واليدين وإقرارها كما ورد، لكن الأشعرية يأولون، وقد حكى موافقته لأهل الحديث بآخره كما في المقالات. ١١- المعروف عن الأشعرية إثبات سبع صفات، وأبو الحسن حكي عنه تخصيصها بالذكر، كما نقله الشهرستاني -وهو أشعري- وقال: وله في البقاء اختلاف رأي. ١٢- وددنا من الشيخ أن يرشدنا إلى مرجع أن الأشعري زاد صفة ثامنة هي الإدراك، أسقطها الرازي، فكتبه خاوية منها، والشهرستاني لم يذكرها بل البقاء. ١٣- الأشعري آل إلى مذهب السلف في كثير فكتب الإبانة ورسالة أهل الثغر، لكن الأشعرية خالفوه، فلا يصح الخلط بينهما، وتحسين الأشعرية بالأشعري. ١٤- حكايته لتقسيم الأشعري للصفات غير معروفة في كتب المقالات كالملل والنحل الذي نقل كلام الأشعري بحرفه، كذلك لم يذكره من بحث فيه كالمحمود. ١٥- حسن من الشيخ إشارته إلى أن الأشعرية أتوا بأمور لم يأت بها الأشعري، وهذا صحيح، بل أسسوا لعقيدة مختلفة، ومن ثم فلا يصح نسبة الأشعرية إليه. ١٦- الأشاعرة مختلفون في إثبات الصفات؛ فمتقدموهم أقرب إلى منهج السلف كالأشعري في أوله، ثم الباقلاني يثبتون صفات لايثبتها المتأخرون. ١٧- أتى الشيخ بقول لم يقم عليه دليلا: أن التأويل مذهب السنة جميعا المتأخرين! فإما أنه لم يحقق معنى التأويل، أو لم يحقق قول السنة المتأخرين. ١٨- التأويل إذا كان بقرينة راجحة فسني، وإذا كانت بغيرها فبدعي، والفيصل:أن السلف ليس لهم إلا تأويلات يسيرة، بخلاف الأشعرية فالتأويل عنهم أصل. ١٩- فإذا المراد:أن المتأخرين فيهم تأويل بقرينة راجحة، فهذا صحيح، وكذا المتقدمين، وأما أن لهم تأويلا كتأويل الأشعرية فباطل وإلا ما كانوا سنة. ١٩- نسب إلى البربهاري أنه أول من قال بالتأويل من الحنابلة، فهل هو من المتأخرين، وقد توفي ٣٢٩؟ كلا، بل هذا كلام ينقض بعضه بعضا. ٢٠- جعل ابن تيمية مؤولا، فدل على أنه لا يفرق بين التأويل السني الذي هو بقرينة راجحة، وهو قليل واستثناء، وتأويل المبتدعة الذي هو أصل بلاقرينة ٢١- فإذا لم يفرق بين نوعي التأويل السني والبدعي، فما كان له أن يجزم بأن المتأخرين من السنة جميعا مؤولة، فالسني لايتخذ التأويل صنعة كالبدعي. ٢٢- عد البربهاوي أول حنبلي قال بالتأويل، ولم يخبرنا من أين استقى؟، فالمعروف عنه في كتابه الذي لا يكاد يعرف بغيره قوله: فعليك بالتسليم .. ٢٣- والتصديق والتفويض. فلم يذكر التأويل، فلعله اشتبه على الشيخ، ثم إنه تفويضه سني لا أشعري؛ إذ يفوض الكيفية لا المعنى، انظره وهو يقول بعد.. ٢٤- ذلك: "والتفويض والرضا. ولاتفسر شيئا من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئا من هذا بهواه ورده فهو جهمي". فهو مفوض للكيفية. ٢٥- قال:"لايجوز أن نقول لله يد ووجه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا" آلشيخ أشعري؟ قرر سابقا أن الحق في المذاهب الثلاثة، فهذه الحق فيها في أيها؟ ٢٦- السلفية يثبتون الوجه واليد لله كما أخبر عن نفسه بلاتمثيل، والشيخ يبرأ منهم في هذا بشدة، فلم يتخذ موقفا محايدا، بل قرر ضلال السلفية بهذا. ٢٧- شطح حين حرم الإخبار عن الله بصفات: الوجه، واليد، والعين..
الذبيح
مما يرجح أن الذبيح إسماعيل وليس إسحاق عليهما السلام:
الابتداء بإسماعيل في كل ذكر لهما معًا، لم يختلف هذا النظم في آية ما:
- ﴿قالوا نَعبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ﴾ [البقرة: ١٣٣]
- ﴿قولوا آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ إِلَينا وَما أُنزِلَ إِلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ والأسباط﴾ [البقرة: ١٣٦]
- ﴿إِنَّ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطَ﴾ [البقرة: ١٤٠]
- ﴿قُل آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ عَلَينا وَما أُنزِلَ عَلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ وَما أوتِيَ موسى وعيسى﴾ [آل عمران: ٨٤]
- ﴿إِنّا أَوحَينا إِلَيكَ كَما أَوحَينا إِلى نوحٍ وَالنَّبِيّينَ مِن بَعدِهِ وَأَوحَينا إِلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ﴾ [النساء: ١٦٣]
- ﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي وَهَبَ لي عَلَى الكِبَرِ إِسماعيلَ وَإِسحاقَ إِنَّ رَبّي لَسَميعُ الدُّعاءِ﴾ [إبراهيم: ٣٩]
فإن قيل:
الواو لا يقتضي الترتيب.
قيل:
هنا يقتضي، فإنه لم يختلف في أن إبراهيم عليه السلام متقدم، وقد بُدأ بذكره، ونوح قبله، فسبقه بالذكر، ويعقوب بعد إسحاق، ولم يتقدم عليه أبدًا، والأسباط من بعد هؤلاء كلهم، ولم يتقدم ذكرهم في موضع ما، ثم ذكر موسى، ومن بعده عيسى، وقد جاءآ آخرين في الذكر؛ لأنهما كذلك زمنا.
فهل يكون كل هؤلاء على الترتيب زمنا، ثم يخالف في إسماعيل وإسحاق؟!
ذلك بعيد جدًا.
ففي هذا كفاية لرد من رجح إسحاق عليه السلام ذبيحًا، مثل العباس بن عبدالمطلب، وكعب الأحبار، ومسروق، وابن جرير.
يقابلهم من رجح إسماعيل، مثل: ابن عمر، والشعبي، ومجاهد، والحسن، ومحمد بن كعب القرظي.
وعن ابن عباس القولان، والثاني عنه أشهر وأكثر.
احذر عصا الحياة
من المعقول المنطقي بعد العشرين من العمر: حركة الإنسان في بناء حياة خاصة به؛ يقيم فيها بيتا وأسرة، وهذا يتطلب جهدا بالغا -يتجاوز به الصعاب- في البحث عن عمل يليق بهذا الهدف الفطري، الاجتماعي، الديني، النفسي.
فإذا عدم هذا الجهد، فثمة علة ههنا، هي:
- إما عدم الإدراك لأهمية الهدف، وهذا يعني: الجهل.
- أو انحلال في العزيمة، وخور في الإرادة، وهذا له أسباب عديدة.
وكلاهما بحاجة لعلاج عاجل، ينبع من الإنسان نفسه، فإن لم يبادر فعصا الحياة غليظة، قاسية، مؤلمة!
سيمضي به العمر ليتخطى الثلاثين والأربعين، ولما يحظ بحياة فطرية طبيعية، وحيدا، فريدا، غريبا، متوحشا، ومن حوله مثله في فوات الفرصة؛ فلا يفيد منهم إلا الحسرة، وينظر إلى من سبقه كذلك بحسرة.
فالسعي لبناء حياة أسرية بركة فيها أيما بركة، فالأسرة تحمل على بذل أقصى الجهد والتحصيل قبلها وبعدها، فإذا فاتت الفرصة، ضعفت القوة، والإرادة، والهدف، وبدت حالة اليأس، ومن ورائها تردي الشخصية، والإنسانية، والأخلاق أيضا.
فالإنسان لم يخلق ليعيش وحده، وإذا كان اليوم مع والديه وأخوته، ففي الغد سيرحل الوالدان، ويفارق البقية بأسرهم، فيبقى طويل الأمل بلا عمل، مؤثر الخمول والكسل، حائرا، مفتقرا لا يدري إلى أين يذهب، ولا إلى من يلجأ؟!
لا تتهم القدر
إذا أصابك سوء، فلا تتهم القدر، ولا تسيء الظن برب العالمين، فإن الحسنة منه، والسيئة منك: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. والسيئات كالأدواء، فمنها البليغ العميق، يبقى أثره لأمد يطول علاجه، هكذا هي طبيعته، فالتوبة النصوح تمحو السيئة، وليس من شرطها محو أثرها على البدن والروح، إنما ذلك بالتداوي؛ بالدعاء، والذكر، والصالحات، وربما بتناول الدواء مع ذلك، وكلما زاد تضرعا، وتوكلا أسرع بمحو الأثر، بحسب يقينه وإيمانه، لكن إذا صار إلى السخط، واتهام القدر، وسب الدهر، وإساءة الظن لم يزده إلا خبالا، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط).
البحث في المقاصد
لا تتلقى المتكلم بالاسترابة في مقاصده؛ فأكثرهم لا يلقي بالاً لما يقول، وغرضهم المسايرة، والقليل يرمي لغرض، فلا تتعب نفسك بالظنون، وخذ بظاهر كلام، ودع باطنه، فإن عفو الكلام في الناس أكثر، وذو المكر معلوم، وسليم الصدر لايخفى، والأصل السلامة، والظن تكلف وإثم، وفي الوصية النبوية: "إذا ظننت فلا تحقق".
لا تخالف أباك الصالح!
قد يأمرك أو ينهاك، فلا تنتظر لامتثال أمره تعليلا؛ فالناصح الأمين له فراسة، ينظر بنور من الله تعالى، وهذا أثر الصدق، والصلاح، والنصح، والإخلاص في المحبة، وأبوك لك كذلك، فيجد في قلبه ما يأمر به، ولا يجد حجة لذلك، أو يرى الحكمة في ترك التعليل، فإذا اشترطت الحجة للامتثال، فوّت ما وراء الفراسة من نور وخير، وربما وقعت في شر لم تتوقعه. إن إبراهيم أمر إسماعيل بطلاق زوجه، ولم يعلل، فامتثل الولد للوالد، فكان من ورائه خيرا كثيرا. فلا تخالف الكبير، الحكيم، الصادق، الأمين، فالأمور لا تقاس بالمحسوس والمعقول في كل حال، بل وراءها إلهام، وفراسة، وتوفيق!
(معتقد القدرية في فعل العبد)
انتشر عن بعض الدعاة تقريرهم مذهب المعتزلة في أفعال العباد:
أن الله لايخلق فعل الإنسان.
مقصودهم: حمل المسؤولية على الإنسان بخلقه لفعل نفسه. وتنزيه الله عن الظلم.
ومسلك القدرية والمعتزلة هذا على ما يبدو فيه من وجاهة، إلا أن عليه إشكالا كبيرا، هو: نفي قدرة الله على العبد.
فقولهم: العبد يخلق فعل نفسه. يراد به: ينشؤه بنفسه ويفعله بإرادة مستقلة، بغير معونة من الله.
وإذا كان كذلك، فالسؤال:
هل الله تعالى قادر على منعه؟
فإن قالوا: قادر.
فلم تركه يعصي ولم يمنعه، مع رحمته وفضله؟
ولا يفيد قولهم: ليس ذلك واجبا عليه.
لأن البحث ليس في الوجوب من عدمه، بل في الفضل، وهو صاحب المنة، فجوابهم غير مقنع للمحتج بالقدر على ذنبه.
وإن قالوا: لا يقدر على منعه. وهو لازم هذا المذهب.
فالإشكال أعظم؛ لأنه نفي لقدرة الله، وهو حقيقة قول: أن العبد يخلق فعل نفسه. ويلزم عنه: أنه يقع في ملكه ما لا يشاء، وهذا انتقاص يتنزه عنه الرب، فلا يحدث في ملكه إلا ما يشاء.
وفيه مشكلة أخرى: أن ثمة أحد يخلق مع الله، ولذا جاء في الحديث:(القدرية مجوس هذه الأمة)؛ لأنهم شابهوهم في قولهم: للعالم إله يخلق الخير، وإله يخلق الشر.
وفيه مشكلة ثالثة، هي: أن المعتقد أنه يخلق فعل نفسه، لا توكل له على الله؛ لأن أساس التوكل يقوم على الفقر إلى الله، والمعتقد أنه مستقل بفعله عن الله، لا يشعر بحاجته إليه، فكيف يتوكل عليه؟
وهكذا يخسر صاحب هذا المعتقد نصف دينه، فالدين نصفه تعبد، ونصفه توكل:(فاعبده وتوكل عليه).
معتقد أهل السنة في فعل العبد: أن الله تعالى خالق الذوات، والصفات، والأفعال، والعبد هو الفاعل، فالله له الخلق، والفاعل المكتسب هو العبد.
حين تمشي:
اختبر الأرض، وتخير المهاد الصلب منها، كيلا تغوص قدمك، أو تتعثر.
وكن في اتجاه صحيح، كيلا يضيع وقتك.
واحسب لكل خطوة موضعها، فلربما وطئت اليمنى مهدا، وزلت اليسرى بمنحدر، فألقت بك في وادٍ سحيق!
تأمل قول الله تعالى:
- في الأبوين:
﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ﴾
- في موسى:
﴿قالَ رَبِّ إِنّي ظَلَمتُ نَفسي فَاغفِر لي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾
- في يونس:
﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ﴾.
القاسم المشترك في دعائهم:
الإقرار والشهادة على النفس ب"الظلم"!
فما ظلم النفس؟
العدوان عليها!
وهل يعتدي المرء على نفسه، وهو الساعي لحظوظها، القائم دونها؟!
نعم، ولهذا المعنى كفر الكافر وفسق الفاسق، وهو موقن بشؤم العاقبة، كما وقع من أبي جهل والمشركين، وحيي بن أخطب واليهود، ويقع من القاتل والزاني وآكل الربا وشارب الخمر!
وما أصدق الوصف النبوي:
" إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ ".
وعلة هذا البلاء من المرء على نفسه: الكبر. هو الذي يحمل على بطر الحق؛ أي: رده، مع العلم بأنه حق. ﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى* أَن رَآهُ استَغنى﴾.
هذا، وإن ذنب موسى كان خطأ، وذنب يونس كان اجتهادا، وأما الأبوان فقال عنهم: ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾.
فالأنبياء أقروا بظلم النفس على صغائر، ليعلم الناس: أنه لا هداية لتوبة، ولا سبيل لقبولها، إلا بعد الإقرار بظلم النفس.
((لم اتقاها بوجهه))
قوله تعالى:
(أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون).
ما معنى هذا الاتقاء بالوجه؟
يرد في الخاطر: أنه يبذل وجهه لله ليتقي عذابه، فالمقصود به المؤمن.
لكن ما يذكره المفسرون غير هذا، والقول ما قالوه، وهم العلماء بكلام الله:
أنها في الظالم الضال يلقى به مكبوبا على وجهه، فأول ما تمس النار وجهه.
والسياق يؤيده.
لكنه قال: يتقى بوجهه.
وكأنه يشير إلى فعل منه، يدفع به عن نفسه لسع النار، وكان أن يتقيها بما هو أصبر وأقدر من بدنه، كاليد والقدم، فلم اتقاها بما هو أرقّ وألين وأضعف عن التحمل، وفيه أهم الحواس، كالعين، والأنف، والفم، والأذن؟!
والحال: أنه لو أمكنه ذلك لفعل بغير تردد، لكنه يلقى فيها مكتوفا مكبوبا على وجهه، فلا قدرة له على تحريك شيء في جسده إلا وجهه، إلا أن يحركه غيره!
فالملقى فيها يلقى مغلولة يده مشدودة إلى عنقه بطوق:(إذ الإغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون*في الحميم ثم في النار يسجرون).
فاللهم عفوك ورحمتك!
والآية فيها تقدير محذوف، والمعنى:
أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب خير، أمّن ينعم في الجنان؟
آية، وبعض آية، لو نزلت على جبل لخشع، وهي ذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
https://youtu.be/hM_hCQ6RUcc?
si=Rex5ZlnHmfPcA8Lc
فيه قصور من الشيخ حفظه الله عن معرفةٍ بمذهب السلف، والمتكلمين، وشيء من التأريخ في باب الصفات!
فمثلا:
- ذكر أن إثبات صفات الوجه والعين والساق والأصابع ونحوها مذهب الحنابلة لا السلف الصدر الأول، ولو رجع لدواوين العقيدة كالتوحيد لابن خزيمة، والسنة للالكائي، والشريعة للآجري لعرف أنه مذهب السلف قبل الحنابلة، فإنهم رووها بالأسانيد.
- نسب إلى الأشعري تأويل هذه الصفات، مع أن الأشعري مثبت لهذه الصفات الذاتية تبعا لابن كلاب، والأشاعرة يخالفونه، والجويني يرد عليه ذلك، ويذهب إلى التأويل، كما في الإرشاد له.
- وقد ذكر أن الخلاف في فهم الصفات جاء من اختلاف اللغات، وهذا تعليل لا يؤيده التاريخ في نشأة نفي الصفات؛ إذ بدأ بيد جهم في نهاية القرن الأول، وكان تلقاه من اليهود بالسند، ومن فلاسفة حران والصابئة، وسمنية الهند، وهذا مذكور في ترجمته، وهو أول من بدأ بهذا، بعد الجعد بن درهم.
ثم أتى المعتزلة وتبنوا نفي الصفات والتأويل تقليدا لفلاسفة اليونان، الذين كانوا ينفون صفات واجب
الوجود، والمعتزلة أخذوا عنهم، كما هو معلوم عن العلاف والنظام.
فلم يكن سبب النفي والتأويل اختلاف اللغات، بل التلقي من مصادر أجنبية.
- ويشهد لهذا: أن سواد العلماء من الفرس وما وراء النهر قبل انتشار الكلام إلى القرن الثاني، وهي القرون المفضلة، كانوا محدثين، ومفسرين، وفقهاء، وأهل لغة ليس عندهم تأويل ولا نفي للصفات، والعامة تبع لهم، وإنما نجم النفي على يد فرقة الجهمية والمعتزلة، وكانوا قلة.
- نسب إلى الصحابة (أم سلمة وابن عباس) التأويل لآيات المعية العامة في الحديد والمجادلة؛ بأنها معية علم. وعد هذا تأويلا كتأويل أهل الكلام، الذي هو صرف المعنى الظاهر إلى غيره، وليس كذلك.
بل هو بمعنى: التفسير والمآل، وهو على طريقة العرب والسلف لا المتكلمين. تماما كتأويل المعية الخاصة بالنصرة، فهو جار على طريقة العرب، ليس فيه صرف المعنى إلى غيره، بل العرب يفهمون المعنى على ظاهره؛ بأن المعية معية علم، أو نصرة، دون حاجة لصرف المعنى بطريقة أهل الكلام، فالعرب تقول: سرنا والقمر معنا. ولا يفهمون منه معية مخالطة، وأنما رؤية.
فسياق الكلام يحددالمعنى بلا حاجة لتأويل كلامي.
فعدم تفريقه بين التأويل السلفي والكلامي، حمله على نسبة التأويل إلى الصحابة، وهذا غلط.
- ذكر الشيخ في آخر كلامه: أن الحنابلة، والأشاعرة، والماتريدية أهل سنة كلهم بلا فرق، ويعذرون في اجتهادهم.
والمجتهد إذا استفرغ جهده، فله أجره لا ريب، وخطؤه لا يخرجه من السنة، إلا أن ينتصب لبدعة كبيرة يدعو إليها وينصرها، كتقديم العقل، أو الكشف على النقل مطلقا.
لكن الكلام في العقائد مختلف، فلا يمكن الجمع بين السلف والمتكلمين في طبقة واحدة؛ فإن السلف متبعين للكتاب والسنة، هذا مصدرهم ومنهجهم، والمتكلمون مصدرهم فلاسفة اليونان، وهم على منهجهم، ولذلك مقالاتهم مخالفة للسلف، فهذه العقائد المختلفة لا يمكن نسبتها جميعا للسنة، وتصحيحها من باب الاجتهاد، وإلا كان حكما بتناقض السنة، وهذا باطل.
فالمقطوع به: أن السنة لا تمثلها إلا فرقة واحدة، هي الملتزمة بما كان عليه الصدر الأول، ولو نظرت في الأشعرية، لرأيت الخلاف منهم كالشمس، فقولهم في الإيمان، هو: التصديق. وهذا قول الأشعري.
وقول السلف: تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح. ويعبرون عنه بأنه: قول وعمل. وعلى هذا إجماعهم، وهم ألوف كما حكى احمد والبخاري. فكيف تصيب الأشعرية الحق مع خلاف ظاهر كهذا؟، وعلى هذا فقس، غاية أمرهم: أنهم مجتهدون لهم أجر الاجتهاد، وأن عامتهم من السنة، إلا من تعصب وانتصب داعية فيخرج من السنة لذلك؛ لأنه حينئذ سيخالفهم في أبواب الاعتقاد: الإيمان، والصفات، والقدر، والتوحيد. وإيجاب النظر، ودليل الحدوث، وتقديم العقل، والتأويل، والمجاز، والتفويض.
وهذه المخالفة لا تدع المخالف في زمرة السنة، بل تخرجه عنهم.
فغايته الربوبية، وأثره ضعف العناية بالألوهية، وله وجدت الأشعري ساكتا عن قبورية المتصوفة. ٨٤- من التناقضات: قبول الجمع بين الأشعرية والتصوف. حيث إن مصدر التلقي فيهما مختلف كليا: العقل، والكشف. أو قل: المنطق والخرافة. كيف اجتمعا؟. ٨٥- جناية الأشعرية على الإسلام كبيرة:ابتدءوا بزرع منهج الشك في الإيمان، وساروا إلى تأويل النصوص،وانتهوا إلى وصف مخالفيهم بالمجسمة والحشوية. ٨٦- لم يكن الأشعرية أكثرية يوما ولن يكونوا؛ فهو فكر نخبوي،لايدركه إلا خاصة المتعلمين، أما العامة فعاجزون عن فهم مسائل الكلام فهم على الفطرة. ٨٧- ثم إن دولا عدة تبنت المنهج الأشعري كالسلجوقية، فكان لذلك أثره في بروز علماء الأشعرية، واختفاء علماء السنة بما وقع عليهم من حصار وأذى. ٨٨- إن الذي على الفطرة هو على السنة ومذهب السلف، وله فالعامة كافة أهل سنة وسلف، وما يخرج عن هذا إلا من تبنى بعد ذلك مذهبا آخر، فالسنة أصل. ٨٩- ثم لو رجعنا إلى عقائد القرون الثلاثة المفضلة، لم نجد فيهم من هو أشعري لا من حيث الاسم، ولا من حيث المعتقد، فالأشعرية حادثة اسما ومعتقدا. ٩٠- ثمة أفراد استنشقوا رحيق السلفية، ثم صاروا للأشعرية، فإما أنهم لم يفهموا حقيقتها، أو فهموا، لكنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. ٩١- ومن الناس من انقلب أشعريا كرها للسلفيين؛ إذ ظن أن جرثومتهم كامنة في البلد الذي لايحبه، وما عرف أن السلفية أوسع تاريخا وأرضا وهي الإسلام. ٩٢- كل من حسن نظره في الأشعرية، فلينظر ما اعترى أئمته من حيرة وشك، حملهم على التأسف على سلوكهم طريقة المتكلمين، وتمنيهم سلوك طريقة السلف. ٩٣- الجويني يقول: "خليت أهل الإسلام وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت فِي الذي نهى أهل الإسلام عنها، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب.. ٩٤- .. في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز،فإن لم يدركني الحق بلطف بره فأموت على دين العجائز.. ٩٥- وتختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص، فالويل لابن الجويني". فهذا ندمه على ركوبه علم الكلام، وتركه لعلوم السلف، هربا من التقليد. ٩٦- العجيب أن السبكي حرف كلام الجويني عن معناه الظاهر إلى معنى آخر لا علاقة له؛ فزعم أنه يريد بكلامه تقرير النظر في الفرق كلها والاختيار ... ٩٧- وما هذا تالله مراد الجويني؛ فإن صريح لفظه: أنه سلك طريقا غير طريق أهل الإسلام هربا من التقليد؛ أي اتبع سبيل الشك، الذي ورثه الحيرة... ٩٨- ثم هو يعود إلى دين العجائز دين الفطرة، تاركا تعقيد الكلام الذي كان عليه. وإن عبث السبكي بمعنى كلامه مع وضوحه معيب عند العجم فكيف بالعرب؟ ٩٩- يقول:"مراده أنه أنزل المذاهب كلها في منزلة النظر والاعتبار غير متعصب لواحد منها". فهل هذا مراده حقا؟ كلا،بل هو تأويل كتأويل النصوص وأشد ١٠٠- إن مبدأ التأويل أضر بهم حتى أخرجهم لتأويلات لا يقبلها عقل أو لغة أو الشرع، فهذه الأداة جعلت للضرورة، فاتخذها هؤلاء أصلا ليس لهم منه بد. ١٠١- إذا تكلمناعلى المذهب الأشعري أو غيره، وجب عرضه كما هو دون مجاملة، وإذا تكلمنا على أتباعه وجب تحديد ما أخطأ فيه، لا الحكم بضلالته كليا. ١٠٢- العامي يظن أن نقد المذهب يلزم عنه تضليل أتباعه في كل شيء، لكن العالم يدرك الفرق؛ فالأتباع يصيبون فيحمدون، ويخطئون فيصوبون، وهذا عدل ١٠٣- الغزالي ممن خاض التجربة الكلامية، وتمثل حالة الشك، بزعم عدم صحة التقليد في الإيمان، لكنه تورط في حالة عدم الإيمان، فاستمر كذلك في سقم.. ١٠٤- ومرض مدة شهرين هو فيها بلا إيمان، مع عجز تام عن تحصيله من طريق النظر، فنبذ هذا النظر، وأقبل بالضراعة على الله تعالى حتى كشف ما به... ١٠٥- فبين بتجربته خطر طريق الشك على الإيمان، وبطلان دعوى أفضلية تحصيل الإيمان من طريق النظر والاستدلال، هذا الموقف لايعرج عليه الأشعرية! ١٠٦- يقول: "فأعضل الداء، ودام قريبًا من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال. حتى شفى االله تعالى من ذلك... ١٠٧- المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقًا بها على أمن ويقين، ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب.. ١٠٨- بل بنور قذفه الله في الصدر وذلك النور هو مفتاح أثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة". ١٠٩- هذا كلامه: أن إيمانه الذي فقده بسبب منهج الشك، لم يرجع إليه من طريق النظر والاستدلال، بل بالدعاء والضراعة. هنا أيضا يتعامى الأشعرية .. ١١٠- عن هذا الموقف الناقد للمبدأ الكلامي: أول الواجبات الشك أو النظر. بل يقلبونه بطريقتهم التأويلية ليجعلوه دليلا على وجوب الشك والنظر. ١١١- الشهرستاني فيقول: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حـــائر على ذقن أو قارعا ســـــن نادم ١١٢- المعاهد: معاهد أهل الكلام.
Читать полностью…فالذي يقرأ الآيات التي فيها، هو بالضرورة مخبر عن الله بها، فهل يطلب إليه الكف؟ ٢٨- كيف لايجوز الإخبار عن الله بما أخبر به نفسه، إن هذه لزلة لا لعاً لها، وهل هذا إلا محض التشبيه، حيث شبه صفة الخالق بالمخلوق، ففر للتعطيل؟ ٢٩- وقد أتى بعجيبة أن صفات الوجه واليد والعين لا تسمى صفات، وأحال أن تكون ملازمة للموصوف، فمن يوافقه على هذا التقرير من أهل الكلام أو اللغة؟ ٣٠- يقول عن الصفات الآنفة: أن العقل لايدرك كونها صفة! أي عقل هذا، والأشياء إما ذوات أو صفات، وبالقطع أن اليد ونحوه ليست ذاتا، فثبت أنها صفة. ٣١- هذا الإمام البيهقي يثبتها كصفات في كتابه الأسماء والصفات، ولا يعرف عن عالم إلا إثباتها صفة، لكن النزاع في وصف الله بها، أما صفتيتها فلا. ٣٢- زعم أنه لم يجد عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا في الصفات التي نزه الله عنها كالوجه واليد والعين، فماذا يقول في هذا:... ٣٣- عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: " يأخذ الجبار سمواته وأرضه ـ وقبض بيده وجعل يقبضها ويبسطها" ٣٤- هذا النبي عليه السلام يقبض ويبسط يده وهو يحدثهم عن صفة قبض الله السموات بيمينه، فماذا يقول الددو في هذا، هل سينكر هذا وينفيه؟ أم ماذ؟ ٣٥- هذا وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بهذا تشبيها حاشاه، بل في هذا رد لمن ظن أن التنزيه يلزم عنه نفي الصفة، إنما إثباته على ما يليق. ٣٦- وعن أبي هريرة قال: "قرأ رسول الله: (إن الله كان سميعا بصيرا). فوضع أصبعه الوسطى على عينيه وإبهامه على أذنيه ". هذا نص على تحقيق الصفة. ٣٧- مثل هذه النصوص يغص بها الأشعرية، ولو علموا فإن فيها هداهم، لكن منهم من لم يرفع بها رأسا، فلا يقال بعد هذا: لايجوز الإخبار بها عن الله. ٣٨- الشيخ الددو خالف الحقيقة والمنهج العلمي، فلم يصب في تصوير مذهب السلف ولم يتخذ طريقة العلماء في تحرير المسائل فأحدث خلطا وأقوالا مستغربة. ٣٩- التفويض إما للمعنى وهذه طريقة الأشعرية إضافة للتأويل، كانوا يسيرون على التأويل ثم صاروا إلى التفويض بعدما بهروا بأدلة السنة في الإثبات. ٤٠- وإما للكيفية وهي طريقة السلف، ونص مالك يدل عليه:"الاستواء معلوم"؛إثبات للمعنى العام للصفة بلا تشبيه."والكيف مجهول" نفي معرفة حقيقة الصفة ٤١- نص مالك واضح في إثبات المعنى ونفي الكيفية، ومن المغالطة الواضحة: إدعاؤه من قبل الأشعرية، والإيهام أنه في تفويض المعنى، مع صراحة ألفاظه. ٤٢- كذلك نصوص بقية السلف فيها: أمروها كما جاءت بلاكيف، ولا تفسير.هي في تفويض الكيفية لاالمعنى، أما قولهم: لامعنى. فجمع أقوالهم يبين مرادهم. ٤٣- تفويض المعنى حقيقته: أنه لا فرق في معرفة الصفة بين: الوجه، واليد، والعين ونحوها. كلها سواء في العلم بها، وكأنها ألفاظ أعجمية لا عربية! ٤٤- إثبات الصفة لها مراتب ثلاث: إثبات حرفها معناها المشترك تفويض حقيقتها. فصفة الحياة تثبت بحرفها، ثم بكونها ضد الموت، والله أعلم بحقيقتها. ٤٥- أبطل الشيخ صفة الوجه واليد والعين، وأنه لم ينقل عن السلف أنها صفات. فكذلك لم ينقل عنهم تفويض المعنى، فلم يثبت الشيخ التفويض للمعنى إذن؟ ٤٦- والسلف لم يقولوا إنها سبع صفات، ولم يقولوا بالتأويل، ولا الكسب، ولا الإيمان هو التصديق، ولا الكلام النفسي. فأين الددو عن هذه الأشعريات؟! ٤٧- هذا وإن السلف قالوا بالعلو والاستواء على العرش، ونصوصهم بالعشرات والمئات نقلها ابن قدامة والذهبي كلاهما في العلو، ثم الأشعرية قالوا:... ٤٨- ليس في العلو، ولا مكان، ولم يستو على العرش، بل استولى. فخالفوا منصوص السلف، فمن استند للسلف فلا يصح له أن يأخذ بهم تارة ويدع أخرى. ٤٩- لكن الشيخ الددو احتج بعدم ذكرهم لطائفة من الصفات، وأعرض عن إثباتهم العلو والاستواء، كل ذلك اتباعا للنهج الأشعري. ٥٠- نسب إلى الأشعري عدم إثبات الصفات: الوجه واليد والعين. حيث شنع على مثبتها، وقرر عدم صفتيتها، وعدم ملازماتها للموصوف، أنه والماتريدي لهما. ٥١- رأيا في احتمالين: التفويض، والتأويل. وهذا دليل على عدم ضبطه رأي الأشعري بدقة. فإن الأشعري يثبت الصفات التي كره إثباتها الددو.. ٥٢- قال الشهرستاني في الملل: وأثبت السمع والبصر للباري صفتان أزليتان، وأثبت اليدين، والوجه صفات خبرية، فيقول: ورد بذلك السمع فيجب الإقرار به ٥٣- فهذا نقله الشهرستاني في الملل عند كلامه على الأشعرية، وهو منهم، فليس بمتهم في نقله، كذلك الباقلاني يثبت صفة اليد في الإنصاف وهو أشعري. ٥٤- إدراجه الصحابة ضمن المتأولين خطأ من جهتين: أن التأويل في أصله مذموم؛ لأنه نوع تحريف، فقد وصف به الزائغين:(ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله).
Читать полностью…قال ابن بطة في الإبانة الكبرى:
لم أر الجدال والمناقضة , والخلاف , والمماحلة , والأهواء المختلفة , والآراء المخترعة:
من شرائع النبلاء , ولا من أخلاق العقلاء , ولا من مذاهب أهل المروءة , ولا مما حكي لنا عن صالحي هذه الأمة , ولا من سير السلف , ولا من شيمة المرضيين من الخلف.
وإنما هو لهو يتعلم , ودراية يتفكه بها , ولذة يستراح إليها , ومهارشة العقول , وتذريب اللسان بمحق الأديان , وضراوة على التغالب , واستمتاع بظهور حجة المخاصم , وقصد إلى قهر المناظر , والمغالطة في القياس , وبهت في المقاولة , وتكذيب الآثار , وتسفيه الأحلام الأبرار.
ومكابرة لنص التنزيل , وتهاون بما قاله الرسول , ونقض لعقدة الإجماع , وتشتيت الألفة , وتفريق لأهل الملة , وشكوك تدخل على الأمة , وضراوة السلاطة , وتوغير للقلوب , وتوليد للشحناء في النفوس.
عصمنا الله وإياكم من ذلك , وأعاذنا من مجالسة أهله.
لا تغضب أباك
لا أقول: كيلا يدعو عليك فتهلك. فإن الأب في غالب الأمر تمتلكه الرحمة، وتأخذه الحكمة إلى الكف عن ذلك.
بل لكيلا يكف عن الدعاء لك، فتخسر:
- سترا يستر عيوبك.
- وبابا يأتيك الرزق منه.
- وجنة يقيك الشرور، وأنت لا تدري!
ليس لأنه لا يحب ذلك لك، بل لأن القلب إذا شغل بالغضب، فإما يدعو على المغضوب، أو يكف عنه، أما الدعاء له فينساه، أو يأباه، إلا في نوادر الآباء، وليس الأب بملوم إذا ترك الدعاء لولده حال غضبه، فإنما ذلك حال الرضا، فالسعيد من أسعدهما، والذين فعلوا ذلك شهدوا البركة في حياتهم، بما ليس له سبب عندهم إلا إرضاؤهم لوالديهم، جربوه فسعدوا.
جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال جِئتُ أُبَايِعُك علَى الهِجرةِ وتركتُ أبويَّ يبكِيانِ فقال : (ارجِع إليهِما فأضْحِكْهُما كما أبكيْتَهُما).
مشيئة العبد أم مشيئة الله؟
للعبد مشيئة لا ينكرها من نفسه، فإنه يفعل ما يريد، ولو ادعى غير ذلك، كذب نفسه، فإن الكفار الذين احتجوا بالقدر على كفرهم، لو أعطي أحدهم ملكا، أو ثروة فيؤمن، لنسي حجته، وأقبل على الإيمان.
وهو لا يقبل من أحد أن يحتج بالقدر إذا اعتدى عليه، كل ذلك لعلمه أن له اختيارا، وليس مجبورا.
فثبتت مشيئة العبد، بإقراره على نفسه.
أما كيف تكون مشيئة الله مع ذلك فوق مشيئته، فذلك لأن الله تعالى خلق: ذاته، وصفاته، وأفعاله، فأعطاه: الآلة، والإرادة، والقدرة على الفعل. وهو قادر على منعه، كما قدر على عطائه.
فهذا معنى مشيئة الله على عبده.
(وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين).
معاناة
معاناة المذنب بعوده للذنب، على رغم صدق توبته، مردها إلى أمرين:
الأول: قهر إرادته بقوة متسلطة، تحمله على الذنب كرهًا، وهذا متصور في معيون، أو ممسوس، أو مسحور، فعلاجها بالرقية والدعاء استكمال للتوبة، وخلاص من الذنب.
الثاني: لذة الذنب في القلب، تولع النفس بها، فتقهر إرادته، فعلاجها قطع ذكراها بالذكر والصلاة كثيرا، ومجالسة الصالحين، والتضرع للمولى، ودوام ذكر قبح الذنب وشؤمه.
فحمل الذنب ثقيل، حتى مع التوبة، فكانت الحكمة في الصبر عنه، مهما رغبت النفس، فالسلامة بالدفع أهون من العلاج بالرفع: {وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم}.
تعليق أحد الفضلاء
أنا أصبح عندي شبه يقين
أن كلام و أوامر ( الأب و الام و الزوج ) يوافق القدر في غالب الأمر
فلو أمرني أبي بالقيام ثم القعود في نفس مكاني لفعلت بدون طلب تعليل .
و أمي طلبت مني عدم شرب عصير من العصائر فلم يدخل جوفي بعدها.
ليس براً بهما لأني قليل بر
ولكن لكثرت تجربتي في مخالفتهما في ما يرونه ويكون بلا تعليل منهما فتكون مخالفتي وبال علي.
يكفيك من هول القيامة: أنك لست تبلغها إلا بسكرة الموت إذا بك نزلت!
هول القيامة
شيّب الوليد والأرضَ زلزلت
وكوّر الشمس والسماء فطّرت
وأذهل المرضعة عما أرضعت
وذات حمل حملها وضعت
والناس سكارى وما بالخمر سكرت
تقول: غيبٌ ونفسي عليها ما وقفت
فخذ إليك: يكفيك من هول القيامة
أن لست تبلغها إلا بسكرة الموت بك نزلت!
وفي هذا يقول صلاح الدين الإربلي:
يوم القيامة فيه ما سمعت به
من كل هول فكن منه على حذر
يكفيك من هوله أن لست تبلغه
إلا إذا ذقت طعم الموت بالسفر
وأنت تمشي انظر:
- عند قدميك.
تلافيا للأذى، والعثرة.
- وأمامك.
لتعرف ما عليه نهاية الطريق.
فربما مشيت بأرض ممهدة، آخرها هاوية مهلكة، تقع فيها ولا تدري!
كيف تصحب عالمًا؟
صحبة العالم مطلب الطالب للعلم المريد تزكية نفسه والتقرب من ربه، لكن يحول دونه، ظنه في شيخه الكمال!
فإذا رأى منه نقصا، زهد فيه وفارقه، وساء ظنه بالعلماء، فيحرم العلم وفضائله، التي لا تعوض.
وإنما أُتي من ظنه، أو تقديره!
فقد يخطئ في تقديره: أن الشيخ أتى نقصا، ولا يكون كذلك، بل الطالب بحاجة لزيادة معارفه بأوجه النقص والكمال.
ولو أصاب، فخطؤه في ظنه: وجوب الكمال في الشيخ. وليس كذلك، فما هو بالمَلَك المقرب، ولا بالنبي المعصوم، بل بشر يصيب ويخطئ، وحسبه أنه لم يواقع كبيرة، ولا فعلا خسيسا، وما دون ذلك من الصغائر، أو النافية للذوق والآداب، فليس في مقدوره التنزه منها؛ لبشريته.
فيكفيه: أنه أكثر كمالا، وأقل نقصا.
فإذا قصد لصحبة عالم، فليعيّن غايته، من الصحبة، وهي:
- الإفادة من علمه.
- والاقتداء به في تعبده.
- والاقتباس من حكمته.
- والاكتساب من أخلاقه.
ويحكم فيها بغالب حاله، ولا يؤاخذه بما يعتريه من نقص فيها في بعض الأحوال، بَلْهَ أن يتخذها ذريعة لمفارقته!
فالقانون الذي يساير به العالِم والناس، هو: غلبة الحال.
فمن غلب خيره، فأهل للصحبة إن شاء، ومن غلب شره، فيجتنبه.
ولا ريب أن العالم، لا يكون عالما، إلا بغلبة الخير عليه في أبواب الفضائل، وإلا كان عالم سوء، لا نقول: يجتنب، بل يستعاذ منه!
لن تنال محبة الله تعالى، إلا إذا نزعت الكبر والعجب من قلبك، وزرعت فيه التواضع والافتقار.
Читать полностью…